التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مقال : مخاوف العرب والأفارقة... ضد «الأزواد»


مخاوف العرب والأفارقة... ضد «الأزواد» 

محمد المزيني نشر في الحياة يوم 11 - 04 - 2012



فور أن أعلن الطوارق والعرب والسونغاي والفولان الأزواديون دولة انفصالية مستقلة بقوة الواقع، وحددوا معالمها لتشمل مدينتي «غاوا وكيدال»، إضافة الى العاصمة «تنبكتو»، قدموا للعالم الضمانات التي يفترض أن تكون مطمئنة من أنهم سيحترمون حدود الدول المجاورة، ويتعهدون بالعمل على توفير الأمن، والشروع فى بناء مؤسسات تتوج بدستور ديموقراطى لدولة «أزواد» المستقلة، كما أعلنوا انخراطهم الكامل في ميثاق الأمم المتحدة، متعهدين بإخراج الحركات الجهادية و«القاعدة» من البلاد، وإبعاد كل ما هو ليس من طبيعة بلاد «أزواد» عنها.
هذه التطمينات المستبقة لردود الأفعال الدولية جاءت بنتيجة عكسية على غير ما تتوخاه حركة «أزواد» التي عبّرت عن نفسها بأنها حركة مناهضة للظلم والاستبداد، وبمعنى أشمل الاستعمار الذي طال أمده لهم، قرابة ال50 عاماً، فلم تجد الاحترازات الأزوادية المحنّكة أي رد فعل معقول تجاهها، بل تم تجاهلها وكأن الأزواديين الثائرين صرحوا بعكس ما صرّحوا به، ما يشي بأن وراء الأكمة ما وراءها! وهذا لا يدفعنا إلى أن ننكر أنه قد تكون لدى الأزواديين رؤية ما لاختيار دولة إسلامية قد تأخذ بعض سماتها من السمات التي تتشكل في العالم العربي المحيط بهم، كما في ليبيا أو في مصر حالياً، غير أن هاتين الرؤيتين - ما بين مقاومة الاستعمار وإقامة دولة إسلامية معتدلة - أصبحتا إرهاصاً لاستعراض بعض الدول المجاورة لأزواد عضلاتها على هؤلاء الثوار، عوضاً عن دعمهم بكل المستطاع! فلماذا؟!

إن الحركة الأزوادية التحريرية - وهذا عصي دمع جيرانها - نجحت نجاحاً باهراً ومنقطع النظير في الاستقلال بالمناطق الازوادية الشمالية، وعلى رغم أنّها حركة مسلّحة، ورجالها من العرب والطوارق البدو البدائيين، فإنه لم يحصل فيها من سفك الدماء وهدر الممتلكات وفظائع الانتقامات ما حدث في الثورات العربيّة المدعومة أحياناً بغطاء جوي أطلسي، كما أنها لم تكن تجأر أثناء تحريرها لمناطقها بالاستغاثة ب«المجتمع الدولي»، أو «عقوبات اقتصادية للدولة المالية»، أو «تجميد أموال رئيس دولة مالي وأسرته ورموز نظامه»، أو «حظر عسكري لحماية المدنيين»، أو «ضربات الناتو»، ولم يكن رموزها يتسابقون إلى وسائل الإعلام وبرامج «الاتجاهات المعاكسة»، ولا يستجدون «دعاء قنوت»، أو قنوات إخبارية مؤدلجة تطل عليهم من هنا أو هناك، أو تصريحاً من دولة مجاورة من قبيل: «يجب تسليح الثورة»! كلا، لم يحصل شيء من ذلك، كل ما هنالك أن الثوار الأزواديين خرج كل منهم من خيمته وبيته الطيني وأخرجوا القوات المالية من ديارهم، بأقل عدد ممكن من طلقات الرصاص، من دون أن ينتج عن ذلك اختلال في الأمن أو إفساد للممتلكات أو تدمير للمدن الأزوادية.
إذا كان هذا لا يعجب الدول المجاورة لهم، فكيف السبيل للتدخل وإفشال هذه الثورة العسكرية «شبه السلمية»؟!
الإشارة تتجه طبعاً مباشرة إلى الأصابع الخفية لتنظيم القاعدة الذي وعدت الحركة الأزوادية نفسها بالتخلص منه في إطار تعاون دولي، وهنا يأتي العجب من أن هذا الاتهام يأتي في إطار التزامات الثوار للعالم وعلى رأسه أميركا «وهذا يتعارض شكلاً ومضموناً مع اتجاهات القاعدة» بمغادرة كل ما ليس من صميم الأرض الأزوادية.

هذا الخلط الدولي المتعمد بين الأزواديين والجهاديين الدخلاء عليهم قاد إلى شبه إطباق معتمد على شجب إعلان استقلال الأزواد، ولا بأس في تدعيم هذا التشويه بالذهاب إلى أفراد التنظيمات الجهادية وتملقهم من أجل الحصول على تصريحات تدعم التدخل العسكري في التراب الأزوادي لإجهاض ثورته، وليس من أجل إبعاد «القاعدة» عنه، لأنه لو كان المقصود إبعاد «القاعدة» فهذا هو نفسه ما تطالب به الحركة الأزوادية، وتطالب العالم بإعانتها عليه، وهذا يعني بوضوح أن دول الجوار لا يهمها تنظيم القاعدة بقدر إفشال الانفصال الأزوادي. وفي هذا التكالب لا تتخلف حتى منظمة اليونسكو عنه للإعلان «عن قلقها العميق حيال مصير التراث الثقافي لمدينة تمبكتو الذي قد يتعرض للأذى على يد المجموعات الإسلامية»!

وبالمقابل هل بثت مخاوف هيئة اليونسكو المماثلة على التراث العربي والمتاحف جراء فعاليات «الربيع العربي»؟
ولا بأس أن تبث أشهر القنوات الإخبارية تقريراً صورت لقطاته منذ أكثر من خمسة أعوام لتبيان الخطر الداهم على «مخطوطات تمبكتو» لإيهام المشاهد بأنه تقرير مأخوذ من جو الأحداث، فهل يعني هذا أن الوقائع التي تريد هذه الجهات ضرب الحركة الأزوادية بها هي من تركة الدولة المالية نفسها ومن ورائها الدول الساعية إلى الإبقاء عليها على حساب معاناة الشعب الأزوادي؟

إن هذا يجعلنا نستنتج أن الخطورة الحقيقية «التي تدركها هذه الدول» تكمن في المفاجأة المفشلة لكل هذه التخمينات والمخاوف من خلال قدرة الحركة الأزوادية على تجاوز كل هذه الشكوك والمخاوف وتحقيق حال من الأمن والسكينة، وقدرتها الأخرى على تأكيد ما ذهبت إليه وقدمته بين يدي مشروعها الانقلابي من استطاعتها فعلاً تحقيق الأمن وشروعها في عمل سيتوج بدستور ديموقراطى لدولة أزواد المستقلة، وتأكيدهم الانخراط الكامل في ميثاق الأمم المتحدة، من خلال العمل الواقعي وفق آليات مجتمع مدني حديث لديه قانون، مع الوعد بالتخلص من كل تنظيم إرهابي، ومن كل تشكيل غير متلائم مع طبيعة الشعب الأزوادي، وهذا الوعي والحنكة السياسية هي التي أرعبت هذه الدول ودعتها إلى التدخل، لأنه لو نجح ذلك فتصوروا معي واقع الحال السياسية في القارة الأفريقية، التي لم تفارق أرضها الحركات الانفصالية الدموية قط، ما سيزيد من أوارها، وهو ما سيمهد لربيع أفريقي، خصوصاً بقيادة «الأمازيغ البربر» الذين تتقاسمهم الجزائر والمغرب وليبيا، ممن ظلوا ردحاً من الزمن يطالبون باستقلالهم في دولة توحد هوياتهم، وسيقال: الأزواد شرارة أولى قدحت روح الصراع الأمازيغي البربري، ومن خلفهم العرب المنضوين تحت لوائهم كمكوّن لهويتهم الجغرافية.

* كاتب وروائي سعودي.
mazmaz4u@yahoo.com
twitter | @almoziani
 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أزواد .. من قضية عادلة إلى حركات سياسية !

اليوم 1 نوفمبر يوافق الذكرى السنوية الثالثة لإعلان تأسيس الحركة الوطنية الأزوادية بعد سنواتٍ من غياب الحركات الأزوادية المطالبة بإستقلال أزواد  وكانت لهذه النشأة الجديدة دور كبير في إيقاظ الشعب الأزوادي وتجديد روح المطالب لهذه الدلالة الرمزية من تأثير معنوي .. ونحن إذ نوافق هذا اليوم وننظر إلى الحال الذي آلت إليه أزواد ، وما يحاك ضد شعبه المستضعف  فنجد اليوم أزواد في وضع لا يحسد عليه ، صراع المصالح الدولية ، وتنافس إقليمي ، وغياب قرار محلي .. ما أسميه فوضوية الأمم المتصارعة  فبدءا بالقرار الداخلي .. الحركة الوطنية لتحرير أزواد التي تجمدت "نعد بتفصيل لتفسير هذا الجمود " عند اتفاق بوركينافاسو وهاهي تمني النفس و تنتظر المفاوضات مع باماكو كما يعدها الوسطاء الغربيون الذي لا تبدو جدية لهم في هذه الوعود ، وفي المقابل أسماء قبلية تتسابق وتهافت إلى المناصب باسم باماكو ... لتضيع عدالة القضية بين المفاوضات والسمسرة .. وها هو الشعب الأزوادي في الملاجئ او المحاصر في الداخل أو المغترب يئن من هذا الحال المتعاهد عليه في الثورات السابقة ويبدو أن الحال لم يتغير ، والغباء السياسي هو المسيطر على

شعر : يُحاصر بيتَ جاري قاتِلان

يُحاصر بيتَ جاري قاتِلان * فقل لي كيف أشعر بالأمان ؟ و أسمع صبية يبكون خوفا * فما معنى التسمُّر في مكاني ؟ أسيرُ تلطُّفاً و أقولُ همسًا * و كنتُ أخ الجميع إذا دعاني   فما للناس تُسْلِمُني و تنأى * عرفتُكَ بالتقلُّب يا زماني ! ورثتُ حداء قافلةٍ ولكن * أرى الصحراء تخسف بالأغاني سأدخل في سراديب التمنِّي * وأخرج مُشهِرا سيفَ البيانِ لهذا النجم قصتُه دليلاً * فمنْ يا نجمُ ضيَّعَ عنفواني ؟ و كنتَ معي نطارد كلَّ غازٍ * و كنتَ مع الحجيج بتلمسانِ سميرَكَ كنتُ في أزَوادَ تبكي * رحاب البيتِ و الركن اليماني وفدتُ أميرُ أهلي يا صديقي * فكنتَ لدى التخاطب ترجماني   أحبٌّهمُ و كنتُ لهمْ حبيباً * فباعدَناَ الغريبُ على التدانِي و خط بكفِّه الحمراء خطًّا * كذاكَ يكونُ في زمن الهَوانِ قَبِلْنا ما تجيء به الليالي * أليس البينُ ساقيةَ الحنانِ   يعذِّبُنا ب تمبكتو هيامٌ * و تبكينَا فنفهمُ ما تُعاني أحقًّا يا جميلةُ أنَّ

من يوقف حمام الدم الأزودي ! - عبد العزيز الطارقي

من يوقف حمام الدم السائل ؟  يظل الـدم الازوادي الرخيص ينزف رغم إدعاء مالي دخولها للمفاوضات وإنهاء العنف والانتهاكات ! لكن مانراه في الآونة الاخيرة وفي الأيام القليلة الماضية ماهو إلا زيادة في عدد القتلى الازوادين والاعتقال المتعسف والهجوم على القرى والخيم في البوادي و الصحاري وكل هذه التجاوزات والانتهاكات يرتكبها جيش مالي الذي أعاد للأزواديين ذاكرة التسعينات علما انه انتهج نفس نهج التسعينات فالاماكن التى يتعسكر فيها جيوش حركة تحرير أزواد لا يقصدها جيش مالي ، ولا تتواجد إلا حيث المناطق التى أخلتها الجماعات الجهادية مع بداية التدخل الفرنسي . صورة من جرائم جيش مالي ورمي جثث الأزواديين بعد تصفيتهم في أحد الآبار وأمام نظر فرنسا التي تدخلت بجحة حماية حقوق الانسان وفي ظل تكتم منها على هذه التجاوزات يمارس جيش مالي ومليشيات أنواع الانتقام والتطهير العرقي الممنهج والذي يستهدف في غالبه ذوي البشره البيضاء من الأزواديين خاصة الطوارق . علما أن جل من طالهم ذلك هم من المدنين الذين لا يحملون أي سلاح .. والمثير للجدل والمستغرب أن جيش مالي في الآونة الاخير كشر عن أنيابه و